أولادنا أمانة في أعناقنا فاجعلوا بيوتكم مدرسة للدين والأخلاق

  • القطان: من عوامل هدم البناء الديني عند الأبناء إكراههم على تطبيق الشعائر الإسلامية فاجعلوهم يؤدونها بحب وإقبال
  • الشطي: التربية الإيمانية هي التربية الأخلاقية والصحية والجسدية والمعنوية فينبغي التزام الآباء بها
  • الثويني: مسؤولية الآباء تنشئة أبنائهم في ظل أسرة ناجحة تزرع فيهم مهارة أداء العبادات بمشاركة أولادهم
  • الرومي: يجب على الآباء والأمهات والمعلمين غرس الإيمان في نفوس الأبناء فهم أمانة سنسأل عنها يوم القيامة
  • العويد: على الآباء توجيه أولادهم بغرس قيمة الوقت عن طريق حفظ أوقات العبادة والمحافظة عليها
ليلى الشافعي
قال تعالى (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ـ لقمان: 17).
هذه الآية الكريمة نموذج حي وباق لما ينبغي على الابوين ان يفعلاه تجاه ابنائهم، كما تمثل الآية قاعدة تربوية ايمانية مهمة، حيث يفيض القرآن الكريم والسنة النبوية بالدعوة الى التربية الايمانية بالعقيدة والعبادات والاخلاق والمعاملات، ويجب ان نزرع تلك التربية في نفوس الابناء ما يعينهم على النجاة بدنياهم وآخرتهم، وينفعهم ويكون عونا لهم في الحياة، فكيف نربي ابناءنا تربية ايمانية؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال المختصين:
التدريب على العبادات
يقول الداعية الإسلامي احمد القطان، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) وقال ايضا: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم لعشر» وقال الإمام ابن تيمية، رحمه الله «من كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد، فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير ويعزر الكبير على ذلك تعزيرا شديدا لأنه عصى الله ورسوله» وهذا كله لأن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه واذا كنا نخاف على أولادنا بعد مماتنا من الشرور ونسعى لتأمين حياتهم في شتى الجوانب، فهذا لن يكون إلا بتأمين صلتهم بالله عز وجل.
وتساءل الداعية القطان: كيف نربي أبناءنا على حب العبادات؟
ويقول: هناك خطوات يجب ان تقوم بها كل أم وكل أب لكي نستطيع تعليم أبنائنا أصول العبادة، فكل مولود يولد على الفطرة، والطفل يكتسب كثيرا من السلوكيات بسهولة في بداية عمره، لذا فعلينا ان نربيهم على حب الخير وحب العبادات أي يؤدونها بحب وإقبال عليها وليس خوفا من العقاب، فحين نعلمهم الصلاة، نعلمهم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم انس بن مالك رضي الله عنه حسن أداء الصلاة وعدم الالتفات وهو صبي حين قال صلى الله عليه وسلم: يا بني إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة.
الصحبة مع الأبناء
وأضاف القطان، كما يجب على الأب ان يصطحب ابنه معه الى المسجد بعد ان يكون قد علمه آداب المسجد وإجلاله، فقد سئل الإمام مالك رضي الله عنه عن رجل يأتي بالصبي الى المسجد، أتستحب ذلك؟ قال: إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث فلا أرى بأسا، وإن كان صغيرا لا يقر فيه ويعبث فلا أحب ذلك، كما يجب على الوالد نصح ابنه بالموعظة الحسنة وباللطف، أما الصراخ والطرد من المسجد والتعنيف الشديد فهذا يجعل الأبناء ينفرون ويبتعدون عن الذهاب الى المسجد في الكبر ويكرهونه.
تعلم القرآن
وشدد القطان على أهمية تشجيع الأم طفلها على تعلم القرآن وحفظه في صغره، وسيكون أرسخ في ذهنه، ويجب على الأم ان تفهم الطفل ما يقرأ، فقد حفظ كثير من سلف هذه الأمة القرآن منذ الصغر بفهم جيد، وضرب القطان مثلا لذلك بالإمام الشافعي، رحمه الله، يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت موطأ ومالك وانا ابن عشر.
وزاد: وينبغي ان يقال للطفل ان الماهر في تعلم القرآن وحفظه سيكون مع الكرام البررة في الجنة وان من يقرأ القرآن ويتلعثم وهو عليه شاق له أجران، وانه سينال حسنة عن كل حرف يتلوه من القرآن والحسنة بعشر أمثالها.
القدوة
وأكد الداعية القطان ان القدوة الطيبة لها اثر كبير في تربية الطفل التربية الإيمانية اللازمة فحين يرى الطفل أباه يقرأ القرآن ويتدبره ينشأ على تعظيم القرآن وتوقيره، فإن خير ما يترك الأبوان لأبنائهما حفظ كتاب الله والعمل بما جاء فيه، ومن المفروض ان تفسر للأبناء على قدر فهمهم ولكن لا نلح على الطفل حتى لا يسأم كما يفعل بعض الآباء والأمهات الذين لا يتركون الطفل يترك القرآن من يده وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.
الهدية
وأشار القطان الى ضرورة تشجيع الطفل على حفظ ما تيسر من القرآن والأحاديث النبوية والأدعية والأذكار مع مكافأة الأبن على ما يحفظ، وذلك حتى نشجعه على الاستزادة من العلم، فهذا إبراهيم بن أدهم يقول له أبوه: يا بني اطلب الحديث فكلما سمعت حديثا وحفظته فلك درهم فيقول ابراهيم، فطلبت الحديث على هذا، فإذا كافأنا الطفل بعد الحفظ عن ربع جزء من القرآن أو ما تيسر بهدية قيمة او مبلغ محدد من المال تشجيعا له فسيواصل الحفظ.
وحذر القطان من عدة عوامل تؤدي الى هدم البناء الديني عند الأبناء ونحن نريد ان يعمر هذا البناء في قلوب أبنائنا، ومن أهم هذه العوامل الضارة تحويل العبادات الى مجرد طقوس لا معنى لها ولا روح، وكذلك التعليمات التي يتلقاها الابن من أبويه وهما يقومان بفعل عكسه، وكذلك الإكراه على تطبيق الشعائر الدينية، فنرى من يهمل في تربية أبنائه حتى اذا وصل الى سن المراهقة وقد ترك العبادات لجأ أبواه الى الضرب لإجباره على الصلاة، فأين كان ذلك الأب في السنوات السابقة؟ ولماذا لم يغرس في ابنه حب العبادات؟
معيار التقوى
يؤكد د.بسام الشطي ان الأبناء أمانة الله في أعناق الوالدين ينبغي لهما أن يؤديا حق هذه الأمانة، وأن يعملا معا على رعاية الأبناء وتربيتهم وصلاحهم، لأن التفريط في هذه الأمانة يعني استحقاق عقاب الله سبحانه وتعالى.
وبين د.الشطي ان الصحابة الكرام فهموا هذه المعاني في التربية وتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربوا أبناءهم على الخير والصلاح وجعلوا بيوتهم مدرسة للدين والأخلاق وأغلقوا على الأبناء منافذ الشر وفتحوا منافذ الخير وصاحبوهم وعلموهم ودربوهم حتى صار الولد مثل أبيه أو أفضل من أبيه.
وقال د.الشطي: ان عمر بن عبدالعزيز لما حضرته الوفاة قيل له اترك لأبنائك شيئا من المال، قال ان كانوا صالحين فالله كفيل بهم، وإن كانوا طالحين فلا أترك لهم شيئا يعصون الله به، وهذا دليل اليقين والإيمان بالله وحسن التربية لأنه مطمئن بأن الله سيرعى أولاده الصالحين الصادقين، وشدد على ان الأبناء يحتاجون الى التقوى وأن تبدأ الأم منذ الصغر في حماية الأبناء ورعايتهم وإغلاق أبواب الشر عليهم فالأم التي تسمع الأغاني الهابطة والمسلسلات الفاسدة وغير ذلك من صنوف الشر ستفتح الباب للشيطان ليدخل الى عقول أبنائها وبناتها، وإذا دخل الشيطان خرجت الملائكة، والأم هي المسؤولة وسنحصد بعد ذلك أبناء طالحين وبنات منحرفات.
وبين ان التقوى هي المعيار، وان الذي يخاف الله ويعمل الصالحات ويحترم الآخرين ويتصدق ويكثر من الخيرات ويقيم الصلوات ويقرأ القرآن ويبتعد عن الصحبة الفاسدة هذا هو البطل وليس البطل من يحمل الأثقال وصدق من قال: ليس من يحمل الأثقال بطلا وإنما من يتقي الله هو البطل الحقيقي.
الأخلاق
وأكد ان التربية الإيمانية الإسلامية التي ينبغي على الآباء ان يلتزموا بها مع أبنائهم هي التربية الأخلاقية والصحية والجسدية والمعنوية أي هي تربية شاملة كاملة، فحينما نقرأ كتاب الله تعالى ونرى وصية لقمان لابنه نراه يغرس فيه أساس العقيدة ويحثه على التمسك بالقيم الأخلاقية ثم يرغبه بحنان الأبوة في إقامة شعائر الله. كما ينبغي ان يكون الأب ملتزما بشرع الله قبل ان يأمر أولاده به، فالفرع تابع للأصل ومقلد له، كذلك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة كانت تنادي على ابنها وتشير اليه بيدها وتقول تعال أعطيك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تريدين أن تعطيه؟ فقالت: أعطه تمرة، قال لها صلى الله عليه وسلم: «أما انك لو لم تعطه لكتبت عليك كذبة».
مهارات لازمة
ويؤكد الخبير التربوي والأسري د.محمد الثويني ان مسؤولية الآباء تنشئة أبنائهم في ظل أسرة ناجحة وان الأوامر والنواهي وفرض العقاب عند خطأ الأبناء يفقد الأولاد التلاحم والتواصل العاطفي وقال هناك معايير تربوية محددة إذا مورست بطريقة سليمة وصحيحة سيكون لها الأثر البالغ في تنشئة أبناء صالحين فيهم الخير الكثير والفائدة لمجتمعاتهم. وبين ان هناك دائرة قضاء الحاجات عن طريق تعويد الأبناء قضاء حاجات الآباء عن طيب خاطر ورضا النفس لينشأوا ويترعرعوا على ذلك.
ولفت الى دائرة المهارات الأسرية، وقال: هي دائرة تتسع لكثير من المهارات التي على الوالدين تعليمها لأبنائهم ومن أهمها مهارة غرس قيم الحب والدعاء الأسري فيما بينهم ومهارة تثقيفهم بالعلم الشرعي والعلمي من خلال أنشطة ترفيهية وعلمية.
العبادة
وشدد على أهمية تنمية مهارة إحياء العبادة مع الأبناء للمشاركة معا في الصوم الجماعي والذهاب للصلاة معا، والتصدق معا وغيرها من العبادات التي من شأنها تعليم الأبناء منذ نعومة الأظفار حب الدين والعبادة والأخلاق الإسلامية الكريمة.
توصيات
ويعدد الخبير التربوي والاسري د.محمد رشيد العويد عدة توصيات في تربية الابناء تربية ايمانية اهمها القدوة الحسنة فلها اثر كبير في نفس الطفل، فللمنزل والاسرة الاثر البالغ في حياة الطفل فينبغي ان يحاط بكل ما يغرس في نفسه روح الدين والفضيلة. واضاف: وقد وضع الاسلام اسس تربية الولد على ما ينفعه في الدين والدنيا، فيجب ربط الطفل بالايمان وتقوية صلته بالله وتعليم الاولاد الاخلاق الاسلامية من اداب التحية والحديث والمجلس واحترام الاخرين والصدق في القول وتحبيب العلم اليهم وتوسيع افق تفكيرهم وابعادهم عن اصدقاء السوء وتوجيههم لاختيار الاصدقاء الصالحين الذين يستفاد منهم ومراقبة سلوكهم واسداء النصائح لهم عندما تظهر عليهم بعض الاثار غير السليمة، وتعريفهم مفهوم الحلال والحرام وتدريبهم على الالتزام به وعلى الوالدين سرد الحكم والقصص التاريخية وتحذيرهم من الاخطاء والاخطار.
الحب والحنان
واكد ان الطفل الذي لا يشعر بالحب والحنان والرعاية من ابويه قد ينشأ طفلا غير سوي عدواني السلوك والنزعة وربما ساقه ذلك التعامل الى التشرد والكراهية أو اصيب بعقد نفسية سلبية، ومن الخطأ تحقير الابن وتعنيفه على اي تصرف خاطئ بصورة تشعره بالنقص، والمهانة، فاذا اخطأ فينبه الوالد الابن على خطئه برفق ولين مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ وايضا الدلال الزائد يؤدي الى نتائج خطيرة على نفس الولد وتصرفاته وقد يكون من اثاره زيادة الخجل والانطواء نحو الميوعة والتخلف عن الاقران.
واكد العويد ان الصحة وسيلة من وسائل القوة التي دعا اليها الاسلام لان المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، والتربية الصحية المستوحاة من منهج الاسلام مليئة بالتوجيهات والنصائح المفيدة، من ذلك، تعويد الابناء على سنة السواك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لولا ان اشق على امتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة»، وتعويدهم على تقليم الاظفار والاهتمام بالنظافة من خلال المحافظة على الوضوء والاغتسال ورعاية السنن الاسلامية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «خمس من الفطرة» وذكر منها تقليم الاظفار.
واضاف وان نغرس فيهم الاداب النبوية فيعودهم اباؤهم ومربوهم على الاعتدال في الطعام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» ويعودهم على آداب الشراب وهو التنفس خارج الاناء ثلاثا فعن انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس اذا شرب ثلاثا، ويعودهم النوم على الشق الايمن وتعويدهم النوم بعد العشاء والاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر.
وايضا من الاسباب الواقية لصحة الاولاد تعويدهم على سلوك الرياضة وتمارين الاعضاء ولاسيما السباحة والرمي وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يجري مسابقات الجري بين الأطفال لقبولهم في دخول الجيش وملاقاة العدو.
قيمة الوقت
ونبه العويد الى اهمية الوقت وقال لا بد من غرس قيمة الوقت عند ابنائنا فالوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك وان الوقت هو الحياة وان الشباب والفراغ مفسدة للمرء اي مفسدة فينبغي ان يغرس المربي في نفوس طلابه وابنائه الاهتمام بقيمة الوقت لان المضيع لوقته مضيع لحياته، وهذا المفهوم يجب غرسه في نفوس الابناء ونشرح لهم الحديث الشريف «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع»: منها. و«عن عمره فيما افناه»، وعلينا ان نحفظ اوقات التذكير بسيرة العظماء والنبلاء والعلماء الذين ما بلغوا المجد والرفعة لا باستغلال اوقاتهم والحرص على عدم تضييعها.
قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه «إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما» وقال الحسن البصري: «ادركت اقواما كانوا على اوقاتهم اشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم» وقال الامام الشافعي رحمه الله «نفسك ان لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل».
واكد على ان توجيه الابناء لحفظ اوقاتهم يأتي من حفظ اوقات العبادات والمحافظة عليها (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) اي فرضا مكتوبا وموقوتا بأوقات محددة، وبالمحافظة على الصلاة لوقتها يغرس المسلم في نفسه بنفسه حب الحفاظ على الوقت.
رئيس لجنة النشء في جمعية الاصلاح الاجتماعي وسكرتير تحرير مجلة الوعي الاسلامي سليمان الرومي يرى ان الاساس في تربية الاولاد وهو الرعاية والاصلاح عن طريق غرس الايمان في نفوسهم وتحقيق شريعة الله، مؤكدا انها مسؤولية وامانة لا يجوز التخلي عنها قال الله تعالى: (انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا مات الإنسان انقطع عنه عمله الا من ثلاثة: الا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، وعن الحاطب قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل: «أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا ادبته؟ وماذا علمته؟وإنه لمسؤول عن برك وطواعيته لك».
دور الآباء والامهات
وأوضح الرومي ان الاسلام حمل مسؤولية تربية الابناء للوالدين وحضهما قبل غيرهما بهذا الواجب وجعلها امانة في اعناق جميع الآباء والامهات والمدرسين لغرس الايمان في نفوس الابناء وقال ابن القيم: وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصيةا لاولاد بآبائهم قال تعالى (ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا) ثم يقول: فمن اهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد اساء غاية الاساءة، واكثر الاولاد انما جاء فسادهم من قبل الاباء واهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: با أبت انك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا واضعتني وليدا فأضعتك شيخا. وأكد الرومي ان القدوة الحسنة وعدم مخالفة الفعل للقول من صفات المربي الناجح، وقد كان السلف الصالح يتعهدون أبناءهم متمنين ان يكونوا طائعين لله وخير خلف لهم وقد قال احد الصالحين: «يا بني اني لأستكثر من الصلاة لأجلك» وقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير).
وزاد: والطفل صحيفة بيضاء نقية في أيدي أبويه ومن يربيه فإذا نقشوا فيه شيئا صالحا نشأ صالحا وإن نقشوا فيه شيئا فاسدا نشأ على السوء والفساد، فإذا أدرك الآباء والمربون هذه الأمانة وحملوها بصدق وإخلاص فلتبشر الأمة بالنصر القريب عملا بقول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
حقوق
ولفت الرومي الى ان من حقوق الولد على والديه اختيار الزوجة الصالحة التي تعين أبناءها على التربية الصالحة، وتسمية المولود بأحب الأسماء اليه، وان يعلمه والده كتاب الله عز وجل وما يلزمه من علوم الدين والدنيا، وتربية الأطفال على القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم من شأنه ان يوسع مداركهم ويزودهم بالحكمة والهداية والنور، ومن حقوق الابن ألا يطعمه إلا طيبا من الكسب الحلال فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على الاعتدال بعيدا عن الإسراف، وان يعلمه الصلاة ويعوده عليها ويشجع الطفل على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين واصطحاب الأب لابنه وأخذه معه لأداء الصلاة في المسجد، وان يدربه على الصوم حتى يغرس فيه قوة الإرادة ومراقبة الله في السر، كما يغرس فيه الإخلاص لله وخشيته.
وعلى الأب ان يعلم الأطفال آداب الاستئذان في الدخول، وان يعدل الوالدان بين أولادهم، واختيار الصحبة الصالحة لهم، وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» ففي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء، كما ان من مسؤولية الأب توفير أسباب اللهو واللعب المفيد من سباحة ورماية وركوب الخيل فهذا يكسب الأطفال الثقة بأنفسهم فيشبون على تعلم مهارات كثيرة إذا كبروا.
التأديب
وأكد الرومي أن التأديب من حق الأولاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نحل والد ولدا نحلا أفضل من أدب حسن»، ومن أشكال التأديب تعليم الأطفال منذ الصغر النطق بكلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وافهامهم معناها عندما يكبرون، وايضا من أساليب التأديب غرس محبة الله ورسوله وان يكون الله ورسوله أحب اليهم مما سواهما وتعويدهم على الصدق قولا وعملا بألا نكذب عليهم ولو مازحين وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا، وايضا غرس العقيدة الصحيحة في الله وأسمائه وصفاته والتأكيد على قضية الإيمان والتوحيد. وكذلك غرس عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره وغرس عقيدة اليوم الآخر وما فيه من حساب وصراط وجنة ونار، فعن ابن عباس رضي الله عنه وقد كان غلاما صغيرا، قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي «يا غلام إني أعملك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على ان يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
وصايا لقمان لابنه
قال الله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) اي احذر الشرك في عبادة الله كدعاء الأموات او الغائبين او اعتقاد النفع والضرر في احد المخلوقين. ثم يقول الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) وفي هذه الوصية يقرن الله سبحانه وتعالى بين عبادته وحده وبين البر بالوالدين لعظم حقهما ولكبير فضلهما فالأم حملت ولدها بمشقة والأب تكفل بالإنفاق فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه ثم يحذر لقمان الحكيم ابنه من الظلم فيقول: (يا بني إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) قال ابن كثير أي ان المظلمة او الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل احضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ويجازي عليها ان خيرا فخير وإن شرا فشر. ثم يأمره بالصلاة التي هي عمود الدين (يا بني أقم الصلاة) اي أدها بأركانها وواجباتها بخشوع ثم يأمره بالدعوة وهداية الناس (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر) بلطف ولين بدون شدة ولما كان من طبيعة الدعوة حصول المشاق والتعرض للأذى والإعراض أوصاه بالصبر على دعوة الناس (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور). ثم أخذ ينصحه بمجموعة من الفضائل والأخلاق. (ولا تصعر خدك للناس) قال ابن كثير لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقارا منك لهم واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم.
(ولا تمش في الأرض مرحا) أي خيلاء متكبرا جبارا عنيدا لا تفعل ذلك فيبغضك الله.
(إن الله لا يحب كل مختال فخور) أي مختال عجب في نفسه فخور على غيره.
(واقصد في مشيك) اي امش مشيا مقتصدا ليس بالبطء المتثبط ولا بالسريع المفرط بل عدلا وسطا بين وبين لأن خير الامور الوسط. (واغضض من صوتك) أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ولهذا قال: (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) قال مجاهد ان اقبح الاصوات لصوت الحمير اي غاية من رفع صوته انه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ومع هذا هو بغيض الى الله وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم. إن وصية لقمان الحكيم لابنه هي وصية كل أب غيور على أبنائه لما تحمله من توجيهات كريمة وآداب راقية.
رابط المقالة الاصلية :https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/313372/30-07-2012-%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D8%B9%D9%86%D8%A7%D9%82%D9%86%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%88%D8%AA%D9%83%D9%85-%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهي الموهبة وكيف يتم تصنيفها وماهي النظريات لبمفسرة للموهبة ؟

مهارة الطلاقة في التفكير

الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة